الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة

 الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة



       الحمد لله الذي أنزل الفرقان نورا وهدى للعالمين، وجعل في شرائعه نورا تضيء به الضمائر، وأرسل رسوله خاتمًا للأنبياء ورحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، أما بعد:

       حينما تمتلئ الأرض بالفواحش والمنكرات، ونعيش في عالم تسوده مظاهر القلق والعبوس والتقلبات، وتتنوع فيه الأصوات، في زمن تتزاحم فيه الفتن وتنبثق أنوار الفجر مظلمة، يبقى الإيمان هو الأسمى، ألا وهو الإسلام، ذلك النور الذي يهدي القلوب، ويرشد إلى طريق الرشاد، ويمنح الأرواح السكينة واليقين.

       ومما لا يخفى على أحد أن دين الإسلام الخالص قد شرع لنا عبادات عظيمة وأعمالا صالحة ترضي الرحمن، وخص بعض الأشهر كشهر رمضان، وشعبان، وذي القعدة، وما ذكر هنا ليس إلا غيضا من فيض؛ فالله سبحانه الرحمن الرحيم، يرحم عباده جميعًا، المطيعين منهم والعصاة، بل حتى الكفار، فهذه رحمة عظيمة أنعم الله بها على مخلوقاته كلها، كما بينه الله تعالى المنَّان في محكم تنزيله: "ورحمتي وسعت كل شيء".

       وعندما نتأمل في أعماق معاني هذه الآية الكريمة، ندرك أن رحمة الله غير محصورة، وأن نعمه منتشرة لا تُعدّ ولا تحصى. ولا ينكرها عاقل عرف المعبود حق المعرفة، فالله سبحانه يذكرنا بأمرٍ مهم: "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"، آيةٌ واحدة منها كافية لتجعلنا في عجبٍ دائم من سعة فضله وحسن تدبيره.

       ومن المعلوم لدى الجميع أن الحج عبادة عظيمة، وركن من أركان الإسلام، تهفو إليه القلوب وتشتاق إليه الأرواح، كيف لا؟ وهو رحلة مباركة إلى بيت الله الحرام، موسم للتوبة والتطهير، ووعدٌ من الرب المنّان بأن من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه، بذنوبٍ ممحوة، وصفحة نقية، وجزاء هذا العمل العظيم كما أخبر به الصادق المصدوق: "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، والجنة دار لم ترها عين، ولم تسمع بها أذن، ولم تخطر على قلب بشر، وكل قلوب المؤمنين تشتاق إليها شوقًا عظيمًا.

       والحج ليس كغيره من العبادات، بل هو عمل يحبه الله تعالى، ويعبّر عنه الناس بألسنتهم المختلفة، بجميع لغات العالم، في مشهد إيماني مهيب.

       ومما لا شك فيه أن الحج من العبادات العظمى، يا أيها الإنسان، فأي شرف أعظم من أن يقف العبد في موقفٍ وقف فيه الأنبياء، ودخل فيه الأولياء؟! هناك حيث تتنزل الرحمات، وتغفر الذنوب، وترفع الدرجات، وتمحى الخطايا، وتُكتب صفحات جديدة شديدة البياض، يخرج منها العبد بروح نقية، ونفس طاهرة، كأنها ولدت اليوم!

       ومما لا يرتاب فيه اثنان، أن العالم بأسره قد سمع وشهد أن مكة المكرمة هي ملجأ المسلمين الذين يخافون الله، كل الحجاج يقصدونها وقلوبهم مفعمة بالشوق والخضوع، فهي البقعة التي اختارها الله مهبطًا للوحي، ومكانًا لطهارة الأرواح.

       وعندما نلفت أنظارنا إلى تلك البقعة المباركة، نعلم أنها محفوظة بأمر الله، محاطةٌ بالملائكة، يجتمع فيها الناس من شتى ألوانهم وألسنتهم وأجناسهم، يجمعهم نداء واحد: "لبيك اللهم لبيك"، فلا قومية تفرقهم، ولا لغة تبعدهم، ولا عداوة تجمعهم، بل هي جملة يستخدمها المسلمون جميعًا في كل ناحية من نواحي الأرض، فتتجلّى فيها عظمة الإسلام.

       رزقنا الله توفيقا عظيما لزيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة، ورجاءً من الله أن نوفق للعمل بالحج المبرور والعمرة المقبولة، بأحسن وجه ما استطعنا...

Comments

Post a Comment

Popular posts from this blog